تفسير سورة الحجرات.
الآيات محور الحلقة : 1 - 5
د. عبد الرحمن الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الأسبوعي المتجدد التفسير المباشر. اليوم بإذن الله تعالى سوف ننتقل نقلة جديدة ببرنامجكم التفسير المباشر وسوف نبدأ بالتفسير التحليلي في القرآن الكريم وسوف نبدأ بإذن الله تعالى في تفسير سورة الحجرات من أولها وسوف تكون هذه الحلقة بإذن الله كمقدمات لسورة الحجرات مع تناول الخمس آيات الأولى من هذه السورة. باسمكم جميعاً في بداية هذا اللقاء أرحب بضيوفي في هذه الحلقة وهم كلٌ من فضيلة الشيخ الدكتور. ناصر بن محمد الماجد ، الأستاذ المساعد بقسم القرآن وعلومه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومدير مركز تفسير للدراسات القرآنية في مدينة الرياض كما يسرني أن أرحب بفضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن محمد البريدي، الأستاذ المساعد بجامعة القصيم، وعضو مجلس إدارة مركز تفسير للدراسات القرآنية. حياكم الله جميعاً أيها الأخوة وأرحب بكم في هذه الحلقة وأسأل الله أن يتقبل منكم
الضيفين: حياك الله، جزاك الله خيراً
د. عبد الرحمن: وأحب أن أنبه الإخوة المشاهدين إلى الأرقام التي يمكنهم التواصل من خلالها مع البرنامج.
من داخل السعودية الرقم الموحد: 920009599
ومن خارج السعودية: 00966920009599
أو بالرسائل القصيرة على الرقم: 0532277111
ويمكن التواصل أيضاً عبر منتدى البرنامج
live@tafsir.net عنوان البريد الإلكترونى هذا محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تفعيل الجافا لتتمكن من رؤيته
وقبل أن نبدأ أيها الاخوة المشاهدون في الحديث عن سورة الحجرات نستمع إلى تلاوة لهذه الآيات ثم نعود إليكم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
د. عبد الرحمن: حياكم الله أيها الأخوة المشاهدون مرة أخرى بعد أن استمعنا إلى هذه الآيات نبدأ على بركة الله في الحديث عن هذه السورة. قبل أن نبدأ دكتور ناصر، لعلنا نبدأ معك دكتور ناصر، نحن حرصنا من سورة الحجرات إلى آخر القرآن بدأنا به لكونه حزب المفصّل فما المقصود بحزب المفصل؟
د. ناصر: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وبعد. هذه السورة الكريمة سورة الحجرات هي تعتبر في أحد الأقوال المشهورة أنها أول السور التي يبتدئ بها حزب المفصل. وحينما نقول حزب النفصّل فهذا يعني أن القرآن الكريم قد قُسم إلى أقسام عدة، دل على ذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث أوس بن حذيفة في وفد ثقيف لما جاء للنبي صلى الله عليه وسلم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤانسهم كل ليلة بعد صلاة العشاء يخرج إليهم فيحادثهم ويسامرهم فأبطأ عليهم مرة فلما أبطأ عليهم سألوه عن ذلك فقال لقد أبطأ علي حزبي فاستوقفت هذه الكلمة أوس بن حذيفة رضي الله عنه فسأل عن ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقسم القرآن ثلاثاً وخمساً وسبعاً وتسعاً وإحدى عشرة وثلاثة عشرة ثم جزب المفصّل. وسماه أهل العلم أو سمي بحزب المفصل لكثرة الفصول التي فيه. قيل كثرة الفصول يعني كثرة ما يفصل ببسم الله الرحمن الرحيم ونعلم أن هذه السور سور قصيرة في حزب المفصل من أول سورة الحجرات إلى آخر القرآن الكريم السور التي فيه سور قصيرة ولذلك يكثر فيها ذكر البسملة. من أهل العلم من قال لا، إنما سُمي المفصّل لأن أحكامه فصل لا نسخ فيها وهذا إذا تأملناه فعلاً نجد أن هذه السور يندر أن يوجد فيها المنسوخ لكن اختلف أهل العلم في بداية هذا الحزب من أين يبدأ؟ على أقوال كثيرة ذكرها أهل العلم لكن أشهرها أحد قولين: إما أن يكون بداية هذا الحزب من أول الحجرات أو يكون من أول سورة ق. ولهذا القول الأول ذهب إليه كثير من أهل العلم وكذلك القول الثاني ذهب إليه كثير من أهل العلم.
د. عبد الرحمن: لعلنا أيضاً في التفسير المباشر نأخذ بالقول الأول ونبدأ بسورة الحجرات وأنا حرصت حقيقة على البداية من هذه السورة لما اشتملت عليه من الأخلاق ولما اشتملت عليه من الفوائد التي لعلنا نتوقف معها إن شاء الله في حلقات هذا البرنامج.
أنقل الحديث لك دكتور أحمد من العادة أن المفسرين قبل أن يدخلوا في تفسير السورة يتحدثون عن أسماء هذه السورة أو إسمها إذا لم يكن لها إلا إسم واحد، فلعلك تحدثنا عن إسم سورة الحجرات.
د. أحمد: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. لعلك تسمح لي شيخ عبد الرحمن قبل أن أجيبك على هذا السؤال نذكر فائدة فيما يتعلق بسبب الخلاف لماذا بدأ المفصّل على أشهر الأقوال من الحجرات أو من ق. هو حديث أوس السابق لأنه قال سألت أصحاب الرسول فقال كنا نحزّب القرآن فذكر ثلاثاً وخمساً وسبعاً وتسعاً وإحدى عشرة وثلاثة عشرة ثم قال وحزب المفصل من ق. أنا لما رجعت وعددت هذه الـ13 فوجدت أن الفيصل بينهما أنه من عدّ الفاتحة جعل الحجرات هي بداية المفصل ومن لم يعد الفاتحة جعل ق هي بداية المفصّل باعتبار هذه قال الزركشي رحمه الله "فإذا جمعتها وجدتها 48 سورة" 48 سورة الثامنة والأربعون هي سورة الحجرات بدون الفاتحة.
د. ناصر: هذا المعنى أشار إليه حتى إبن حجر رحمه الله قال إن مرجع الخلاف في عد سورة الفاتحة إذا عددتها صارت سورة الحجرات هي أول المفصل وإن لم تعدها كانت ق هي أول المفصّل، أشار إليه في فتح الباري.
د. أحمد: أما ما يتعلق بالإسم لو تأملنا اسماء القرآن لوجدناها لا تخلو من ثلاث حالات: الحالة الأولى من ليس لها إلا إسم واحد وهذا أكثر القرآن مثل سورة النساء، الأنعام، الأعراف، هذه ليس لها إلا إسم واحد. الحالة الثانية من لها أكثر من إسم وإما أن يكون إسمان مثل سورة محمد تسمى سورة محمد وسورة القتال، سورة الجاثية تسمى سورة الجاثية وسورة الشريعة. ومن لها أكثر من إسم مثل سورة الفاتحة زادوا أسماءها أكثر من عشرين إسم كما ذكر الزركشي رحمه الله في البرهان والسيوطي في الإتقان. والحالة الثالثة أن تكن أكثر من سورة تحمل إسماً واحداً مثل الزهراوين البقرة وآل عمران أو مثلاً الحواميم وسورة الحجرات الذي يظهر لي والله أعلم أنها من قبيل القسم الأول ليس لها إسم كما قال إبن عاشور رحمه الله أنها في المصاحف وفي كتب التفسير وكتب السُنة كُتبت بإسم الحجرات. والحجرات المقصود بها هي بيوت النبي صلى عليه وسلم كما سيأتي في التفسير. لكن لماذا سميت بالحجرات ولم تسمى بسورة أخرى؟ هذه الفوائد السريعة ربما تكون مقدمة للمنهج الجديد الذي اخترتم لهذا البرنامج. الإسم إما أن تسمى السورة بأول كلمة منها مثلاً سورة قل هو الله أحد هذه أول كلمة منها لكن هناك بعض السورة متشابهة في مطلعها ولذلك لما قال الراوي النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في ركعتي الفجر أو في صلاة الفجر بـ(ألم وهل أتى على الإنسان) لم يقل ألم وسكت لأن ألم اشترك فيه خمس سور وإنما قال ألم تنزيل ليقصد بها السجدة. والوجه الثاني أن تسمى السورة بحادثة أو قصة حصلت فيها مثل الحجرات (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ (4)). والحالة الثالثة أن توصف السورة بوصف ولا يلزم أن يكون هذا الإسم بالذات مثل المعوذتين وصفت بأنهما للتعويذ.
د. عبد الرحمن: جزاك الله خير، أحسنت. موضوع السورة يا دكتور ناصر من القضايا التي أصبح يُعنى بها المفسرون ولا سيما المتأخرون مثل إبن عاشور وقبله البقاعي في كتابه مصاعد النظر في مقاصد السور ، الذي هو مقصد السورة، ما هو المقصد الرئيس لسورة الحجرات قبل أن ندخل في التفاصيل حتى يكون المشاهد على معرفة بالموضوع الرئيسي لها.
د. ناصر: هو كما تفضلت أخي الدكتور عبد الرحمن الاهتمام بموضوع السورة بمعنى استنباط المحور الرئيسي الذي تدور عليه السورة هذا اتجاه برز في الدراسات المعاصرة, نعم يوجد نوع عناية إجمالية في مثل إبراز موضوعات السورة ومقاصدها عند المتقدمين من المفسرين لكنه أخذ بعداً وحيّزاً بيناً في الدراسات المعاصرة. وإن أذنت لي أن أشير أن مسألة استنباط موضوع السورة أو محورها هو اجتهاد ليس فيه نص عن النبي صلى الله عليه وسلم بل هو اجتهاد في الفهم. وهذا الاجتهاد هل لا يفرّد على فاعله؟ الحقيقة أنه لا يفرد عليه لأنه اجتهاد في الفهم كما يجتهد في فهم معاني الآيات وتفسيرها. كذلك يجتهد في استنباط مقصدها الرئيس الذي تدور عليه. سؤال آخر: هل يلزم أن نصل إلى محور هذه السورة الرئيس؟ نقول هذا ليس بلازم لكن هذا أمر هو دائر في نطاق الاجتهاد فيجتهد المفسر في استنباط محاور لها فإن هُدي إليه فبها ونعمة والحمد لله وإلا فلا يتكلف الاستنباط ولا يتمحل الأداء لأنه ليس بالضرورة أن يكون لها محور رئيس. نقول نعم إن وجود المحور الرئيس في السورة يلم تفرّق موضوعاتها وأجزائها بحيث يشعر القارئ بارتباط هذه الموضوعات وأنها تلتقي تحت محور رئيس واجد يجمعها ولكن ليس بالضرورة لأنه هو كما ذكرنا من باب الاجتهاد والاجتهادات لا نص فيها. وإذا كان هذا من باب الإجتهاد فنحن معكم في استنباط موضوع لهذه السورة.
أذكر أن كثيراً من المفسرين يشيرون إلى أن هذه السورة تدور على معنى الأخلاق. وإن كنت أذكر وإن كان عهدي بعيداً بها ذكر أن بعض أهل العلم ذكر قال تسمى سورة الأخلاق لا أعرف أين قرأت ذلك لكن من أول من أشار إلى موضوع أن السورة تتكلم عن الأخلاق أشار إليه هو الرازي في التفسير وتكلم بكلام حسن ونُقِل بعده وأُخذ عنه أنها تدور حول موضوع الأخلاق وهذا كلام حسن. يظهر لي موضوع آخر أن السورة تهدف إلى حماية بناء المجتمع المسلم. أقول إذا تأملت هذه الموضوعات المتنوعة المختلفة في هذه السورة تجدها تدور حول مسألة حماية بناء المجتمع المسلم. فالموضوع يدور حول جزئين حول معنى الحماية وحول المجتمع المسلم. أولاً إذا نظرت إلى هذه السورة فإنها نزلت متأخراً في السنة التاسعة للهجرة فهي مدنية بإجماع. إذا تأملت غالب ما فيها تجدها تخاطب الفرد لا باعتباره فرداً وإنما باعتباره فرداً ضمن جماعة وها يعني أنها تخاطب الجماعة كلهم.
د. عبد الرحمن: إذن ما رأي الدكتور أحمد الآن أن السورة كاملة تتحدث عن الأخلاق أبرز الموضوعات الأخلاقية التي وردت فيها هل لنا بها على عجل؟
د. أحمد: عند التأمل يظهر لي والله تبارك وتعالى أعلم أنها تدور حول موضوعات معينة الموضوع الأول هو التقدم بين يدي الله ورسوله وهذا موضوع كبير جداً ولعل عند التفسير يتبين معنى التقدم بين يدي الله والرسول. الأمر الثاني الأدب مع العلماء، البعض يسأل أين نجد هذا في سورة الحجرات؟ النبي صلى الله عليه وسلم قال العلماء ورثة الأنبياء وعندما ورد الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن رفع الصوت فهذا يؤخذ من هذا الموضوع . الأمر الثالث التثبت في الأخبار. الأمر الر ابع وقد أخذ حيزاً كبيراً من السورة موضوع الأخوّة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (10)) يعني أصّلت هذه الرسالة الأخوة ثم بينت ما ينافي هذه الأخوّة من التجسس، من التنابز بالألقاب، من السخرية. ثم بينت حقيقة الإسلام والإيمان. لكن هناك ملحظ بيسط جداً، هذه المواضيع لو تأملناها وجدناها كلها تدور حول جارحة من جوارح الإنسان ألا وهي اللسان: موضوع التقدم بين يدي الله ورسوله يكون باللسان، (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) كذلك اللسان، (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ) كذلك لأن الأخبار تنقل في الغالب عن طريق اللسان، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) هذه سببها كما يقال بأنه تفاخرت الصحابة رضي الله عنهم في مجلس وكان الذي أثارها يعني بدأها عبد الله بن أبي بن سلول المنافق. والأمر الآخر الإسلام والإيمان (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا) قالت بلسانها. هذا ما يتعلق بأبرز مواضيع هذه السورة.
د. عبد الرحمن: أنا أريد قبل أن ننتقل إلى تفسير الآيات والحديث موجّه لكما لفت نظري في السورة كثرة النداء بـ (يا أيها الذين آمنوا) سورة الحجرات 18 آية فقط فيها إسم وعدد مرات النداء ربما ثمانية مواضع
د. ناصر: النداء أم لفظ الإيمان؟
د. عبد الرحمن: ولفظ الإيمان أيضاً تكرر كما تفضلت ربما 15 مرة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا (15)) ألا يوجد رابط بين الذين آمنوا ألا يمكن أن نقول أن مقصد السورة الرئيسي فوق الأخلاق الذي ذكره الدكتور ناصر هو قضية تأصيل أو تربية أو إيقاظ هذا الشعور أو الإيمان في نفوس المؤمنين؟
د. ناصر: أظن أن قضية الإيمان هي المحور الأساسي الذي يستند عليه المؤمنون. المجتمع المسلم الأصل إجتمع بوصف الإيمان ولذلك جاء التركيز على قضية الإيمان بل جاء ذكر أمرين: الأول في مسألة مسمى الإيمان في أمرين وحقيقة الإيمان والانتساب إلى الإيمان حقيقة ومتى يتحقق ذلك وشروط هذا ولوازمه كما بينت آخر السورة. وفي أول السورة بيان المرجع الذي يرجع إليه الناس ويحتفلون به شؤون أحوالهم والواقع كما قال عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) مرجع الإحتكام والصدور لا يكون إلا عن حكم الله عز وجل وحكم رسوله.
د. عبد الرحمن: من الأشياء التي لفتت نظري قبل فترة كنت أتحدث في بعض موضوعات النداء بوصف الإيمان فوجدت أن القرآن الكريم اشتمل على 89 نداء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) في حين أنه اشتمل فقط على عشرين نداء (يا أيها الناس) مع أن النداء بـ (يا أيها الناس) بدأ من العهد المكي إلى نهاية نزول القرآن، في حين أن القرآن المدني ورد فيه النداء بـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) في الغالب وتكرر 89 مرة لعلنا نتحدث عن هذا بعد فاصل قصير، أستأذنكم أيها الأخوة المشاهدين في فاصل ثم نعود إليكم فانتظرونا.
--------------------فاصل-------------------
د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الأخوة المشاهدون مرة أخرى في برنامج التفسير المباشر ولا يزال حديثنا متصلاً عن سورة الحجرات مع ضيفي الكريمين في الاستديو الدكتور ناصر الماجد والدكتور أحمد البريدي.
نبدأ دكتور ناصر الآن في الحديث عن السورة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تفسير هذه الاية.
د. ناصر: قول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)) أول ما يلفت نظرنا هذا الاستفتاح الرباني المتضمن نداء المؤمنين بأحب الأسماء إليهم وأشرف الأوصاف لهم وهو وصف الإيمان والنداء بإسم الإيمان. والحقيقة أن لهذا النداء الذي تستفتح به السورة ويتكرر فيها في خمسة مواضع له دلالة على أن ما يأتي في هذه السورة من أحكام وشرائع أنها من لوزام الإيمان ومقتضياته وأن تحقيقها تحقيق لحقيقة الإيمان وامتثال لأمر الله عز وجل. ولذلك نعرف المقولة المشهورة عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود "إذا سمعت الله يقول يا أيها الذين آمنوا فأرعها سمعك فإنها إما خيراً تؤمر به أو شر تنهى عنه"، وهذه حقيقة في كل النداءات التي وردت في القرآن. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) أصل التقدم المشي قبل الشيء أن يتقدم الشيء ومنه مقدمة الجيش في مقابل الساقة ومنه مقدمة الكتاب في مقابل خاتمته وقوله عز وجل (لا تقدموا) ذكر أهل العلم في معنى التقدم صوراً حتى أن بعضهم عدها أسباباً للنزول قد يضيق الوقت عن ذكرها لكنها تدور حول صورة من صور التقدم بين يدي الله ورسوله والبعض قال أن التقدم بين يدي الله ورسوله أن تقضي قضاءً قبل قضاء الله ورسوله أو أن تفعل فعلاً دون أمر الله ورسوله أو أن تأتي أمراً قبل أن يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم به. هذه الألفاظ التي ذكروها وغيرها هي في حقيقتها تشير إلى جميع صور التقدم على أمر الله عز وجل وأمر رسوله سواء كان تقدماً فعلياً بالفعل أو كان تقدماً بالقول ولهذا ناسب أن يقول عز وجل في آخرها (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) إشارة إلى أن التقدم قد يكون بالفعل كما قد يكون بالقول ولذلك المفسرون حينما يفسرون (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يقولون سميع لأقوالكم عليم بأفعالكم. فالتقدم يكون في القول كما قد يكون بالفعل.
د. عبد الرحمن: جزاك الله خيراً. إتصال من الأخ ماجد من السعودية
الأخ ماجد: عندي استفسار بسيط وهو حول رفع الصوت في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم. ضيفكم الدكتور أحمد قال رفع الصوت عند العلماء، هل هناك حالة معينة رفع الصوت لا يُستحب فيها؟
د. عبد الرحمن: تسمع الجواب بإذن الله.
د. عبد الرحمن: لدي سؤال يا دكتور ناصر فيما يتعلق بالتقدم بين يدي الله ورسوله الآن. قد يقول قائل نحن الآن مات النبي صلى الله عليم وسلم فأصبحت صورة التقدم بين يدي شخصه عليه الصلاة والسلام متعذرة، لكن هل هناك صور الآن للتقدم بين يدي الرسول بعد وفاته؟ أو التقدم بين يدي الله؟
د. ناصر: نعم ذكرنا أن معنى التقدم هو معنى عام يشمل كل صور التقدم بين يدي الله عز وجل وبين يدي رسوله صلى الله عليه وسلم. ولذلك نأخذ مثالاً تطبيقياً على ذلك: الله عز وجل أمرنا بأوامر ونهانا بنواهي وشرع رسوله صلى الله عليه وسلم وحدّ حدوداً، هذه الشرائع، هذه الأوامر، هذه النواهي إمتثالها هو وقوف عند أمر الله ورسوله وتعدي هذه الأوامر ومجاوزتها وعدم امتثالها هو تقدم بين يدي أوامر الله عز وجل ورسوله. إذا فهمنا الآية بهذا المفهوم الواسع علمنا أن كل صور المخالفة لأمر الله وأمر رسوله هي من التقدم بين يدي الله ورسوله وعدم امتثال أمرهما.
د. عبد الرحمن: جميل جداً، هذه قاعدة عامة في الدين كله وهي الامتثال لذلك أتصور في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الإلتزام به هو يصب بزيادة هذه الصورة أو هذه الصفة وهي صفة الإيمان وأن عدم التقدم بين يدي الله ورسوله والالتزام بأوامر الله والامتثال هو من أسباب زيادة الإيمان
د. ناصر: بل إن الله عز وجل قال في الاية نفسها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ) فذكر التقوى التي هي في حقيقتها تحمل الإنسان على عدم التقدم بين يدي الله ورسوله. إنما المتقي حقيقة تردعه تقواه على أن يتقدم بين يدي الله ورسوله. .
د. عبد الرحمن: إذن هذا ما يتعلق بالآية الأولى, الآية الثانية د. أحمد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) ولعلك تجيب على سؤال الأخ ماجد الذي يقول ما هي حالات رفع الصوت الآن؟ وما علاقة رفع الصوت عند العلماء والتأدب معهم؟
د. أحمد: قلنا الملحظ في قضية رفع الصوت أن العلماء هم ورثة الأنبياء ولم أقصد الحصر حصر الصور بل إن ابن كثير رحمه الله قال إن العلماء كرهوا رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم محترمٌ حياً وميتاً بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم. ولعلنا ندخل في تفسير الآية الله عز وجل قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أعاد النداء الذي أشرت إليه قبل قليل رغم أنها في الاية التي قبلها ولم يعطف (ولا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) إشعاراً بأن هذا الغرض الثاني لا يقل أهمية عن الغرض الأول الذي هو التقدم بين يدي الله ورسوله فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيّ) من مقتضيات إيمانكم ألا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي. ثم قال عز وجل (وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) لعل أحداً يقول - وأنا أثير هذا الإشكال – أن النهي عن رفع الصوت هو النهي عن الجهر فلماذا ذُكر مرة أخرى والقرآن معلوم أنه محكم؟ وأعلى درجات البلاغة وأقول والله أعلم أن المقصود في عدم الجهر في المرة الثانية له معنى آخر غير رفع الصوت في المعنى الأول. ذلك أن القاعدة التفسيرية تقول "حمل الآية على التأسيس أولى من حملها على التأكيد" لأنها تؤسس لمعنى جديد، فبدل أن نقول هذا تأكيد لعدم رفع الصوت نقول إنها حملت معنى جديداً. فالأول يظهر لي (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) أي في مجلسه، (وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) أي بالنداء له فتقولون يا محمد بل قولوا يا رسول الله بصوت وتأدبوا كما قال الله عز وجل في آية أخرى وهذا من تفسير القرآن بالقرآن (لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا (63) النور) يعني نداؤكم له. هذا الذي يظهر لي هو الأولى. بعض العلماء قال إن المقصود برفع الصوت تجاوزاً ولا تجهروا له التساوي وهذا ملحظ لكن الذي يظهر لي والله تبارك وتعالى أعلم أن الملحظ الأول أقوى بدليل أن في الآية الثانية الصحابة رضي الله تعالى عنهم أكدوا هذا ما فقط امتثلوا وإنما غضوا أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يقودنا إلى سبب نزول الآية
د. عبد الرحمن: قبل أن تتحدث عن سبب النزول نأخذ اتصال أخونا أبو محمد من السعودية.
أبو محمد: في سورة الحجرات ورد ذكر كثير من الآداب والتحذير من الغيبة والتنابز والتنبيه أو تحذير المسلمين من هذه الأشياء المحرمة والسؤال الثاني كثر عند البعض خصوصاً في بعض الصحف تناول أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بآراء مخالفة وربما يظهر هذا الأمر أنه ليس طيباً.
د. عبد الرحمن: دكتور أحمد نعود لسبب نزول هذه الآية؟
د. أحمد: سبب النزول المباشر لأنه لو ترجع لسبب النزول تجدها تذكر السبب المباشر والسبب غير المباشر والذي يذكرون عنه أنه داخل في حكم الآية. أما السبب المباشر لهذه الآية هو قدوم وفد بني تميم، عندما قدم وفد تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاختلف أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فقال أبو بكر أمِّر القعقاع قال عمر بل أمِّر الأقرع فتماريا فقال أبو بكر ما أردت يا عمر إلا خلافي قال عمر ما أردت خلافك فارتفعت أصواتهما رضي الله عنهما عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية فكان عمر بعد نزول هذه الآية رضي الله تعالى عنه كلما كلم النبي صلى الله عليه وسلم يحاول النبي صلى الله عليه وسلم أن يستفهمه من إسراره بالقول وامتثاله لهذا الأمر يستفهمه يعني كأنه يقول له أعِد عليّ الكلام لأنه كان يقول مثل الهمس وأبو بكر رضي الله عنه قال أقسمت بالله لا أكلمك إلا كأخ السرار يعني سرّاً. هذا السبب المباشر وهناك أسباب غير مباشرة.
د. عبد الرحمن: أخشى أن الوقت يدركنا نريد أن نأتي على الآيات التي معنا إن شاء الله.
د. أحمد: الآية التي بعدها هو سر الامتثال (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ) الغضّ هو خفض الصوت. (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى) ما معنى امتحن الله قلوبهم؟ يعني اختبرها وأخلصها للتقوى. وهذه الآية إشارة إلى التقوى كثيراً وتكرر (ِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (13)) (وَاتَّقُوا اللَّهَ) (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى) والتقوى هي أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله، هذا تفسير طلق بن علي رضي الله عنه. والتفسير المشهور للتقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل أوامره واجتناب نواهيه. ثم خُتمت الآية (لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) لهم مغفرة عما سلف وأجر عظيم لما تقدم من امتثالهم لهذا الأمر.
د. عبد الرحمن: ولأيضاً يا دكور أحمد في قوله (أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) إشارة إلى أن هذا الأمر وهو رفع الصوت أمر خطير قد يحبط العمل
د. أحمد: نعم، (قد تحبط أعمالكم) التفسير الذي يظهر لي والله أعلم يعني خشية أن تحبط أعمالكم بسبب هذا الرفع. لأن بعض العلماء قال الحبوط والحبوط كما نعلم يكون بالكفر والكلام كله في خطاب المؤمنين ولذلك التفسير بالقول خشية أن تحبط يظهر لي والله تعالى أعلم أنه أولى من التفسير بالحبوط الحقيقي وعلى هذا البصريين.
د. ناصر: لكن تعليق على تفسير الخشية يعني حتى لو فسرناها بالخشية فالآية خطيرة حقيقة. فالله عز وجل يحذر عباده من أن يرفعوا أصواتهم خشية أن يقود هذا الرفع إلى حبوط العمل حتى وإن لم يُحبط العمل. يكفي أنه قد يقود إلى حبوط العمل والأخطر من هذا أن الله ختم الاية (وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) يعني ليس فقط عملك يحبط وأنت تدري، لا، قد يحبط العمل وأنت لا تشعر بهذا كقوله عز وجل (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) الكهف) فهذه مسألة خطيرة جداً تستوجب الناس أن يتأملوا فيها. هناك موقف لثابت بن قيس لو يسع الوقت، حقيقة أن هذا الموقف يستوقفني كثيراً. نحن كثيراً ما نقرأ آيات القرآن الكريم ولكن نظن أنها لا تخاطبنا وأنا لسنا المعنيين بها وأنها تخاطب أناس آخرين لكن ثابت بن قيس لما سمع هذه الآية ماذا فعل؟ هل قال إن هذه الآية تخاطب الأعراب أو تخاطب فلان ولست المقصود بها؟
د. عبد الرحمن: ما هي وظيفته ثابت بن قيس؟ أليس خطيب النبي صلى الله عليه وسلم؟
د. ناصر: نعم، وكونه خطيب النبي صلى الله عليه وسلم أن صوته كان جهورياً فهو مباشرة جعل الآية تخاطبه وحاكم نفسه إلى الآية مباشرة فذهب إلى بيته وربط نفسه على سارية في البيت وحبس نفسه وجلس يبكي يظن أن الآية تخاطبه يقول كنت جهور الصوت والآية تخاطبني فقد حبط عملي، مباشرة. حساسية وشفافية في محاسبة النفس وتنزيل الآيات على النفس دون أن يُبرئ الإنسان نفسه. حتى أن النبي فقده فسأل عنه فأُخبر الخبر فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه وقال تعيش حميداً وتموت شهيداً وتوفي رضي الله عنه شهيداً. هذا المقصود أدعو نفسي وإخواني إلى أن الآيات الكريمة حينما نقرأها نجعلها تخاطبنا مباشرة وكأنها تحاكم أفعالنا وتصرفاتنا.
د. عبد الرحمن. أحسن الله إليك. أنا كنت أريد أن نأخذ الآيات التي بعدها ولكنني لا أريد أيضاً أن يكون الوقت دائماً مسلطاً علينا وإنما نريد أن نفيد المشاهدين. وما ذكره الدكتور ناصر حقيقة نبهني إلى مسألة فيما ذكره الدكتور أحمد عندما قال (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى) فلما نزلت الآية مباشرة أبو بكر وعمر أصبحوا لا يكلمون النبي صلى الله عليه وسلم إلا بصوت منخفض مما يدل على أمر مهم جداً قد نغفل عنه وهو التطبيق المباشر للآيات الذي كان يصنعه الصحابة رضي الله عنهم كما صنع ثابت.
د. عبد الرحمن: لعلنا نختم يا دكتور بسؤال الأخ أبو محمد الذي قال أن هناك من يكتب في الصحف كتابات يعارضون فيها أقوال النبي صلى الله عليه وسلم فهل يدخل هذا في التقدم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم دكتور أحمد؟
د. أحمد: لا شك أنه داخل في ذلك. ومعارضة النبي صلى الله عليه وسلم وعدم الاهتداء بهديه بل إن من المفسرين من قال أن تحبط أعمالكم المقصود به الحبوط قالوا إنه يتسلسل مع الإنسان عدم توقير النبي، إذا كان رفع الصوت على النبي صلى الله عليه وسلم موجِب لحبوط العمل فما بالك باعتراض سنته صلى الله عليه وسلم فضلاً عن الاستهزاء بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم و بما أمر به أو نهى عنه وهذا يذكرنا بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "أن الرجل يتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً"
د. عبد الرحمن: في أقل من دقيقة دكتور أحمد أنت أشرت في بداية حديثك أن من موضوعات السورة التأدب مع العلماء وأدخلتها تحت الآية التي تنهى عن رفع الصوت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ما وجه دخولها تحتها؟
د. أحمد: لأن العلماء هم ورثة الأنبياء، من الذي يبلِّغ الرسالة؟ من الذي يرشد الجاهل؟ من الذي يعلِّم؟ من الذي يقوم بالواجبات ويبين الأحكام؟ هو العالِم كما قال صلى الله عليه إن الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورِّثوا العلم فهم حقيقة ورثة الأنبياء وينبغي للإنسان أن يتأدب. وهذا ليس دعوة إلى تقديس العلماء حقيقة لا إنما نقول فقط أن يتأدب الإنسان مع العالِم وأن يقدِّر العالم فهو من تقدير العلم الذي يحمله.
د. عبد الرحمن: أحسن الله إليك. هل نختم بعشر ثواني يا دكتور ؟
د. ناصر: أنا أريد الحقيقة أن أعيد التأكيد على ما ذكره أخي الدكتور أحمد في مسألة سأل عنها الأخ أبو محمد في معارضة أحكام الشريعة، الحقيقة أن التقدم بين يدي الله ورسوله يظهر في صور شتى ذكرنا شيئاً منها. ولا شك أن معارضة الشريعة وتحدي أحكامها وأوامرها أنه يدخل ضمن التقدم بين يدي الله ورسوله. لكن نحن نخاطب أنفسنا وإخواننا الذين يستمعون إلينا ويشاهدوننا أن التقدم بين يدي الله ورسوله يظهر حقيقة الإيمان وحقيقة التقوى عندما تأتي أوامر الشرع تخالف شهوات الإنسان ورغباته، نعم قد نمتثل أوامر الشرع حينما لا تخالف شهواتنا لكن حقيقة الإيمان والتسليم لله عز وجل تظهر حينما تتصادم شهواتك ورغباتك مع ما أمر به الله عز وجل فأيهما تُقدِّم فأنت إليه.
د. عبد الرحمن: أحسن الله إليك دكتور ناصر وشكر الله لك دكتور أحمد. الوقت داهمنا. أيها الاخوة المشاهدون الكرام إنتهى وقت هذا اللقاء ولا زال الحديث متصلاً عن هذه الآيات وأرجو بإذن الله تعالى أن نواصل الحديث في الحلقات القادمة. باسمكم جميعاً أيها الأخوة المشاهدون أشكر ضيفي الكريمين في الاستديو فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن محمد الماجد ، الأستاذ المساعد بقسم القرآن وعلومه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومدير مركز تفسير للدراسات القرآنية في مدينة الرياض وفضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن محمد البريدي، الأستاذ المساعد بجامعة القصيم، وعضو مجلس إدارة مركز تفسير للدراسات القرآنية وأشكركما على ما تفضلتما به وأشكركم أيها الإخوة والمشاهدون على متابعتكم، ألقاكم الأسبوع القادم وأنتم على خير في تفسير سورة الحجرات أيضاً. حتى ذلك الحين أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
< السابق التالى >